الركن الهاديء

الركن الهاديء

عهود عريشي

أقرب الكراسي إلى العزلة أكثرها قرباً من الحقيقة ، جين يجرك المقعد البعيد الخاوي إليه لتمكث فيه ما شاءت لك الساعات أن تمكث ، تمررك الساعات على الوجوه كعابر ، تلتقطك الأعين وتلتقط أنت الحكايات خلفها ، تلتقط ما خلف البسمة المسروقة ، وما وراء الضحكة المدوية .. ما الذي يحرك الحياة سوى الحكايات تلك التي تبتكر لها عند كل مطلع نهار فصلاً جديداً أو تلك التي قد تولد وتموت في ذات النهار !
شيء عجيب يحدث لنا يوميا دون أن ندرك أننا نخلع جلودنا القديمة ، نهدم أصناماً ونبني أخرى ، نتبنى أفكاراً وتلفظ أفكارنا السابقة أنفاسها الأخيرة ! نُصلي كل يوم وننسى قلوبنا خارج سجاداتنا الصغيرة ،
نهرب إلى المتاهة ذاتها ندور في حلقات مفرغة من الحيرة والتساؤلات عن ما يمكننا أن نُحدثه من فرق على هذه البقعة التي نحتلها ، عن الكرسي المشغول با نتظارات كاذبة ، عن كلماتنا التي نُسيت وكأنها سقطت من فم محتضر !
نبحث عن الخلود في الفوانيس التي انطفأت قبل جيل ، في ذاكرة ربطنا فيها مراجيح طفولتنا في عناق خاوٍ لا لون له ..
في خاتم فقد أحجاره وضاقت به الأصابع ، نتوهم الخلود بأوراقنا المتروكة أسماءنا في حواشيها ، ببصماتنا الخائفة وتواقيعنا المرتجفة بأمجادنا الكاذبة .. !
كل ما ننسجه ليحمينا ليصنع منا ذاتاً أخرى تنوب عنا يُسقطنا في هوة البحث الدائم وهذه لعنة أيضاً
المجد للزوايا الهادئة , للأصوات الخافتة , للعينين الدافئتين التي تبكي معانِقة ومُفارقة ، المجد للأبواب المتروكة على آخرها لما يأتي
للأقلام التي تهمس حرفها وتمضي دون أن تبحث عن مكبرات صوت لسطورها !
المجد لمن علم وغفل بكل ما علمه ، لكل من بقي إنساناً بقلبٍ رقيق رغم كل هذه الوحشية في الخارج ، لمن أبقى على نقاءه برغم كل المحاولات لتلوين هذا القلب الصغير وتزييفه ،

مشاركة

5 1 صوت
تقييمات المقال
اشتراك
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
تقييمات مضمنة
عرض كل التعليقات

وكُتب في جَبَنَة أيضا

بلا هوية

تأملت والدته أن يكون عوضًا عن أخيه الذي مات، طمأنها والده حين ولادته أنه روح أخيه بعثت فيه وتشكلت في عينيه وأنفه الصغيرة، في طفولته، كان لا يختلط مع أحد، وجلَّ وقته بمفرده، كانوا يطلقون النكات عليه وأنه شبيه لأمن في هدوئها ، في الفصل، كانوا لا يسمعون صوته إلا حين يُسأل سؤالًا يعجزون عنه أقرانه من الأطفال، شيدوا له  أن ذكاءه يعود لوالده لأن العرق دساس، كبر وكبر معه والده، في عزائه، بصم الأهل والأقارب، أنه لا يختلف عن والده عدى بالنظارة التي يرتديها، من حينها وفي الجمعات والمناسبات هو أبو أبيه، لم يناده أحد باسمه، في شيخوخته، وجميع أبنائه وأبنائهم الذين يحملون اسماءهم، أخبروه أنه يشبه صوره والده المعلقة بالحائط بشكل لايصدق، ولكنه، هو وحده، مصدقًا، أنه يشبه كل شيء إلا نفسه.

هل أنت جاهز للنشر ؟

نرحب في جبنة بالكتاب المبدعين.. فقط اترك ايميلك وسيتم التواصل معك قريبا بإذن الله 

لقاءات حية
تدوين
رسائل مرئية
تجارب
لقاءات حية
تدوين
رسائل مرئية
تجارب

- جميع الحقوق محفوطة لمبادرة متكأ 2021©