انهزامية الشعراء المعاصرين

انهزامية الشعراء المعاصرين

أحمد يحيى حكمي

الشعرُ هو لسان الأمة الإسلامية ولسان الوجدان ولسان العربيّ فإذا اختلّ هذا اللسان وأصبح يجري في غير مجراه سيصبح أضحوكة !!

أصبحنا الآن في العالم الأدبي يكثر بيننا الغث ونكاد لا نرى السمين، حيث أن الشعراء لا تخلو موضوعاتهم عن الغزل، وأنا لست ضد الغزل ..

ولكنّ الشاعر الحقيقي هو من يحمل رسالة في شعره لا من يتغنى بغرام زائف وحب لا يسمن ولا يغني من جوع.
أقول لك : تغزّل كيفما شئت ومتى ما شئت لكن في حدود المعقول والأخلاق والأدب ثم من ناحية أخرى أجعل لك قيمة في شعرك يرددها الناس حتى يوم الدين، فإني أكاد أجزم أن قصيدة أبو القاسم الشابي ( إرادة الحياة ) ستبقى معلقة في سماوات الأدب؛ لأنها تحمل في طياتها رسالة للقارئ، وتحمل مبادئا وقيما وهذا ما سيجعلها تَخلُد .
ويكفيك منها قوله :

ومَن لم يعانقْهُ شَوْقُ الحياةِ
تَبَخَّرَ في جَوِّها واندَثَرْ

إِذا مَا طَمحْتُ إلى غايةٍ
رَكِبتُ المنى ونَسيتُ الحَذرْ

ومن لا يحبُّ صُعودَ الجبالِ
يَعِشْ أبَدَ الدَّهرِ بَيْنَ الحُفَرْ.

فإن كنتَ شاعرًا فيجب عليك أن تكون ذا روحٍ وثابة، وأن تسطر للتاريخ أبياتًا كهذه، لكي لا تتبخر وتندثر مثلما قال الشابّي .

ثم نرى في موضوعات الأدب المعاصر يكثر اليأس، والروح المنهزمة التي تتفاخر بالماضي وتجعل الحاضر بائسًا مثلهم ..
اجعل من ماضيك وقودًا يشعل الهمم الجبارة التي نطمح لها دائما، وترجمه لكي يصبح طاقةً نفاثةً في أرواح الشباب .
إن كتابنا وشعراءنا يزرعون الخوف واليأس في قلوب الشباب بهذا الشعر الغثيث.
فلو عدنا للتاريخ لوجدنا أن أعظم الشعراء العرب لا يحملون هذي الانهزامية في شعرهم ولا الغزل الماجن، فلو قلنا (المتنبي) فلا يمكن أن تجد له بيتًا واحدًا في هذه الانهزامية، ولكن في المقابل يفتخر بنفسه ويحث الآخرين على أن يكونوا نجوما..
كقوله:
إذا غامرتَ في شرفٍ مرومِ
فلا تقنع بما دون النجومِ

فطعمُ الموت في أمرٍ حقيرٍ
كطعمِ الموتِ في أمرٍ عظيمِ.

ولكن مع الأسف..!

أذكر مرةً تحاورت مع شخص في شأن موضوعات الأدب والشعر وأن الغزل يطغى على بقية الموضوعات، فقال لي كلمة أوقدت فيّ نارًا..
قال بالعامية : ( السوق يبغى كذا )
يقصد أن الناس تميل للغزل أكثر من الموضوعات الأخرى .
فقلت له :
إنْ سِيقَ القطيعُ إلى الهاوية هل تُساقُ معهم ؟
فقال : لا
قلت : إذن أنت حرّ في اختيار الموضوع ولا تجعل الناس هم من يتحكمون بك.
ثم قلتُ هذا من ناحية..
أما من الناحية الأخرى أين ستكون أنت في ظل هذه النصوص الغزلية الهائلة، هل سيكون لك مقعدًا بينهم ؟
هل التاريخ سيذكرك أنت دون الآخرين؟
فأطرق وصمت..

وكما قال أخي وليد :
(ولا أبالغ إن قلت أن جناية شعراء المجون ونخبة الفلس من المثقفين أبلغ ضررا من الحرب، فالحرب تسفك فيها الدماء وتنتهي بالصلح، أما جناية هؤلاء الأدباء والشعراء فترخص تلك الدماء وتسلب الرجولة وتغرق الأمة في الظلمات، ولا تكاد تنتهي..)

وأخيرًا أقول :
كن صاحب رسالة لكي تسمو أنت وقراؤك، ولكي تخلّد في التاريخ ولو بقصيدة واحدة ..

مشاركة

4.1 7 أصوات
تقييمات المقال
اشتراك
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
تقييمات مضمنة
عرض كل التعليقات

وكُتب في جَبَنَة أيضا

بلا هوية

تأملت والدته أن يكون عوضًا عن أخيه الذي مات، طمأنها والده حين ولادته أنه روح أخيه بعثت فيه وتشكلت في عينيه وأنفه الصغيرة، في طفولته، كان لا يختلط مع أحد، وجلَّ وقته بمفرده، كانوا يطلقون النكات عليه وأنه شبيه لأمن في هدوئها ، في الفصل، كانوا لا يسمعون صوته إلا حين يُسأل سؤالًا يعجزون عنه أقرانه من الأطفال، شيدوا له  أن ذكاءه يعود لوالده لأن العرق دساس، كبر وكبر معه والده، في عزائه، بصم الأهل والأقارب، أنه لا يختلف عن والده عدى بالنظارة التي يرتديها، من حينها وفي الجمعات والمناسبات هو أبو أبيه، لم يناده أحد باسمه، في شيخوخته، وجميع أبنائه وأبنائهم الذين يحملون اسماءهم، أخبروه أنه يشبه صوره والده المعلقة بالحائط بشكل لايصدق، ولكنه، هو وحده، مصدقًا، أنه يشبه كل شيء إلا نفسه.

هل أنت جاهز للنشر ؟

نرحب في جبنة بالكتاب المبدعين.. فقط اترك ايميلك وسيتم التواصل معك قريبا بإذن الله 

لقاءات حية
تدوين
رسائل مرئية
تجارب
لقاءات حية
تدوين
رسائل مرئية
تجارب

- جميع الحقوق محفوطة لمبادرة متكأ 2021©