شيء من الحب

شيء من الحب

عهود عريشي

في المقعد الذي أمامي على متن الطائرة اليوم كان يجلس رجل أربعيني تقريباً مع زوجته ، تسند رأسها على كتفه مرة و يميل برأسه على رأسها مرة، يمسك كفها في الزحام للعبور كمن يُمسك عصفوراً صغيراً في كفه الدافئ ..
النظرات والضحكات في المقاعد المجاورة كانت تحيط بالمشهد ، الراكب إلى جانبي كان يهمس ( كفاية فهمنا ) !
يمكننا أن نمرر مشهد لعراك بسيط يحدث كفعل اعتيادي يومي ، بينما المشهد المليء بالرحمة والود والألفة لا يمر دون أن يتعجب الأشخاص حوله منه !
الحب أصبح غريبا حتى في أبسط مظاهره وهي اللطف بمجرد كون الرجل مهتما بزوجته التي تجلس إلى جواره أصبح الأمر ملفتاً وكأن الود عارٌ يجب مداراته !
وكأن الحب لا يمكنه أن يكون إلا خلف الأبواب المغلقة ، كل هذا الجفاف والتصحر العاطفي الذي يستوطن القلب للدرجة التي أصبح فيها مجرد اللطف مستهجناً غريباً ملفتاً ، حتى في إطاره المألوف والمتاح اجتماعياً ..
شيء عجيب ؛كيف نسخر من الحب ونتباهى بالقسوة ، كيف نمرر التصرفات الخشنة ونستهجن اللطيفة ونفكر مراراً تُرى ما الدافع الذي يقف خلفها ؟!
نفسر الابتسامة بألف تفسير ونطلق للتكشيرة عنان التحليق بيننا دون جدل ، إنسانيتنا التي تم العبث بها وتشويهها حتى دُس فيها ما ليس منها ، حتى تركناها على قارعة الطريق يعلق فيها كل ما يمر بها دون أن نقف للحظة واحدة نُجاهر فيها أنفسنا على الأقل بحقيقة ما تم التقاطه عنوة أو دون قصد ، تصفية تلك البرمجات أولاً بأول والمكوث طويلاً في حلقة الجهاد المستمرة هذه ، إعادة تدوير المبادئ وتقييمها هذا وحده ما يخلق منك إنساناً ، رفضك وقبولك منتهى الاختيار وغاية القدرية .. لا تترك أذنك تلتقط كل الأصوات دون فلترتها ، ولا تترك نفسك تركض في ميادين لا تشبهك فقط لأن الجميع يركض فيها !

مشاركة

5 1 صوت
تقييمات المقال
اشتراك
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
تقييمات مضمنة
عرض كل التعليقات

وكُتب في جَبَنَة أيضا

بلا هوية

تأملت والدته أن يكون عوضًا عن أخيه الذي مات، طمأنها والده حين ولادته أنه روح أخيه بعثت فيه وتشكلت في عينيه وأنفه الصغيرة، في طفولته، كان لا يختلط مع أحد، وجلَّ وقته بمفرده، كانوا يطلقون النكات عليه وأنه شبيه لأمن في هدوئها ، في الفصل، كانوا لا يسمعون صوته إلا حين يُسأل سؤالًا يعجزون عنه أقرانه من الأطفال، شيدوا له  أن ذكاءه يعود لوالده لأن العرق دساس، كبر وكبر معه والده، في عزائه، بصم الأهل والأقارب، أنه لا يختلف عن والده عدى بالنظارة التي يرتديها، من حينها وفي الجمعات والمناسبات هو أبو أبيه، لم يناده أحد باسمه، في شيخوخته، وجميع أبنائه وأبنائهم الذين يحملون اسماءهم، أخبروه أنه يشبه صوره والده المعلقة بالحائط بشكل لايصدق، ولكنه، هو وحده، مصدقًا، أنه يشبه كل شيء إلا نفسه.

هل أنت جاهز للنشر ؟

نرحب في جبنة بالكتاب المبدعين.. فقط اترك ايميلك وسيتم التواصل معك قريبا بإذن الله 

لقاءات حية
تدوين
رسائل مرئية
تجارب
لقاءات حية
تدوين
رسائل مرئية
تجارب

- جميع الحقوق محفوطة لمبادرة متكأ 2021©