فكري كرجل

فكري كرجل

عهود عريشي

يتعامل الرجل برأيي مع أفكاره بمنطقية أكثر منا نحن النساء ولذلك يقل تأثره بها غالباً ، فالرجل عادة ما يتمتع بمزاج ثابت وروتين مريح ، ويحيط نفسه بأكثر من سبب يجعله يشعر بالمتعة والاكتفاء مهما كانت تلك الأسباب بسيطة ( كجلسة بلوت أو معسل ، أو مشاهدة مبارياته بشكل يومي أو حتى متابعة الأخبار أو الوثائقيات )
لكننا نحن النساء نلتقط الفكرة الشاردة ونتعامل معها بعاطفية متطرفة ونرسمها على هيئة مشهد حقيقي لنغوص فيها ونصدقها فنصاب بتقلباتنا المزاجية التي تكون جذورها أما مخاوف لا أساس لها أو حزن لسبب مضى ولا وجود له ، أو التورط في لوم الذات لدرجة قد تجعلنا ننغمس في الشعور وننسى الفكرة ذاتها التي تسببت في ذلك !
يفوز الرجل في منطقَة الفكرة وتحييدها وعدم الاندفاع معها خاصة بوجود طبيعته الغير تفصيلية ، فهو في حين هجمت عليه فكرة لعينة سيحاججها ببساطة بدون وعي منه ،إن كانت تأنيباً سيحسمها بأن ما حدث قد حدث وإن كانت ذكرى أو مخاوف فسيكتشف أنها مجرد وهم ولن يستسلم لها في أغلب الأحيان ، وهنا أتحدث عن الغالبية في الطرفين .. غالباً عقل الرجل أقل تعقيداً في التعامل مع الأشياء وهذا ما خدمه كثيراً ، فالتعامل الذكوري والبرمجة التي يتعامل بها الفكر الذكوري هي الطريقة الجيدة في التعامل مع الأفكار اليومية ، فلو كنا نلتقط الفكرة منذ الوهلة الأولى ونُمنْطقها و ننفصل عنها لكانت صحتنا النفسية جيدة جداً وكنا ربما أنقذنا أنفسنها من 70% من الأفكار التي نتوهم أنها حقيقية فتجرنا خلفها حتى نصدق عنا ما ليس منا ونستمر في ري بذور الشك والخوف والحزن والتأنيب دون أن نقف للحظة ونتسائل أين نحن ؟ وفيم نفكر ؟ وهل هذه الفكرة تعمل لصالحنا أم أنها تجرنا خلفها دون طائل !
إننا ضحايا لعقولنا بشكل أو بآخر ضحايا لمشاهد يتقن العقل إخراجها ولصوت يبدع العقل في جعله مقنعاً لدرجة تجعلك تنحاز له حتى ضدك !
بالنسبة لي كانت ورطتي دائماً هي صوت الراوي الذي يتحدث في رأسي بلغة جميلة وصور مبهرة وكأني انعكاس لحكاية يود سرد فصولها فأتماهى معه وأصدقه وأدعمه حتى حين ينحدر بي إلى فخ المأساة أو إلى الطريق المنحدرة كما أسميها ، فيسيرني لأنه يعرف نقطة ضعفي حتى أصدق أن ذلك الصوت صوتي وتلك الأحداث الغارقة بالدراما هي حياتي يا للمأساة ! ؟؟
أخيراً اعتقد أن جُل ما يمكننا فعله حيال ذلك هو أن نتمرن على التقاط الفكرة من لحظة ولادتها وإعطائها صفة ولوناً ، ومناقشتها بشكل حيادي ما استطعنا لذلك سبيلا ..
ثم ماذا ؟
ثم ستزداد أفكارك شراسة وسيصبح الصوت أكثر سيطرة لأنك الآن أصبحت تقاومه هذه هي معركتك التي ستمارسها يومياً وعليك أن تختار من سينجو !
وحين تزداد شراسة تلك الأفكار افصلها عنك بالانغماس في اللحظة .. قد يبدو ذلك مثالياً لكنني هنا أتحدث مثلا عن ترك نفسك أمام برنامج وثائقي يتحدث عن حياة النمور أو مشاهدة مباراة والانغماس فيها كما يفعل العقل الذكوري الغير معقد ، أو التركيز في اللحظة الحالية كالانسجام مع صوت الطيور والتماهي مع الطبيعة وكل ما ذُكر هو نوع من أنواع التأمل البسيط الذي يعمل كعازل للعقل المتورط في التفكير المفرط ويرسله ولو للحظات إلى السكون .

مشاركة

5 1 صوت
تقييمات المقال
اشتراك
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
تقييمات مضمنة
عرض كل التعليقات

وكُتب في جَبَنَة أيضا

بلا هوية

تأملت والدته أن يكون عوضًا عن أخيه الذي مات، طمأنها والده حين ولادته أنه روح أخيه بعثت فيه وتشكلت في عينيه وأنفه الصغيرة، في طفولته، كان لا يختلط مع أحد، وجلَّ وقته بمفرده، كانوا يطلقون النكات عليه وأنه شبيه لأمن في هدوئها ، في الفصل، كانوا لا يسمعون صوته إلا حين يُسأل سؤالًا يعجزون عنه أقرانه من الأطفال، شيدوا له  أن ذكاءه يعود لوالده لأن العرق دساس، كبر وكبر معه والده، في عزائه، بصم الأهل والأقارب، أنه لا يختلف عن والده عدى بالنظارة التي يرتديها، من حينها وفي الجمعات والمناسبات هو أبو أبيه، لم يناده أحد باسمه، في شيخوخته، وجميع أبنائه وأبنائهم الذين يحملون اسماءهم، أخبروه أنه يشبه صوره والده المعلقة بالحائط بشكل لايصدق، ولكنه، هو وحده، مصدقًا، أنه يشبه كل شيء إلا نفسه.

هل أنت جاهز للنشر ؟

نرحب في جبنة بالكتاب المبدعين.. فقط اترك ايميلك وسيتم التواصل معك قريبا بإذن الله 

لقاءات حية
تدوين
رسائل مرئية
تجارب
لقاءات حية
تدوين
رسائل مرئية
تجارب

- جميع الحقوق محفوطة لمبادرة متكأ 2021©