كيف تهذّبك الفواجع ؟

كيف تهذّبك الفواجع ؟

نوال أحمد


تمضي الحياة بكل مافيها ، ونمرّ بها على أي حال كنّا، وتمرّ بنا على كل حال .
وعند كل منعطف تأخذ منا ما تأخذ، وتعلّمنا ما نحن على استعداد لتعلّمه وتمضي..
تجربة تحبطك، وأخرى تُثريك، وأخرى تعلّمك وهكذا..
لكنك توقف هذه الدورة دون أن تشعر ، توقف جريان الحياة دون إدراك منك؛ ظنًا أن هذا هو الصواب.
توقفها حين تختار أن تتوقف عند كل زلة، وتحاسب كل خطأ، وترفض الصفح عن أي هفوة.
توقفها حين تختار التدقيق على كل سلوك يصدره الآخر، وكأنه معصوم من الزلل.
تعتقد بتصرفك ذاك أنك تحمي نفسك من الأذى، وأن كرامتك المزعومة تأبى عليك غضّ الطرف، وستكون أكثر مكانة إن اتخذت موقفًا حاسمًا تجاه كل تصرف.
وبدلًا من أن تكون الإبرة جزءٌ ضئيل من هذا العالم ، تختار أنت أن ترى العالم من ثقب تلك الإبرة.
وبدلًا من أن ترى الصورة كاملة، تختار أن ترى الجزء القاتم جدًا منها.
حتى تأتي اللحظة التي يفجعك الموت، ويخطف شخص ما من حولك، دون أدنى استعداد منك لتلك اللحظة.
يتوقف الزمن لبرهة لتعيد ترتيب المشهد، وترى كم كنت تبالغ في تقدير الأمور، كم من الضحكات فوّت ، كم من الأفراح أضعت ، كم من التفاصيل الجميلة تجاهلت؛ لـ(وهم الكاريزما المزعومة ) ..
يرتّبك الموت.. يجعلك ترى كم أن الحياة هشّة جدًا، لاتستحق مانقدمه لها من أيامنا، من أفراحنا ، من أحبابنا أولئك الذين يخطئون كما نُخطئ، ويتمنون الصفح كما نفعل، ويستحقون العفو كما نستحق.
تهذّبك الفاجعة لتتعلم بأي منظور عليك أن ترى..
بأي منطق عليك أن تتعامل..
من أنت في هذه البقعة..!
يسحقك الندم على الكثير، ولكن كل ماعليك فعله أن تتأدب مع تصاريف الدهر، وتُظهر دومًا أنك مازلت تتعلم منها، وأنها مازالت تربّي فيك وتُهذّبك.

مشاركة

0 0 أصوات
تقييمات المقال
اشتراك
نبّهني عن
guest
1 تعليق
الأقدم
الأحدث الأكثر تصويتا
تقييمات مضمنة
عرض كل التعليقات
حوطان سالم
3 years ago

وصف راائع بكل أمانة ؛ يحمل حكمة تتطلب منا الجدية في مراجعة كثير من أساليب تعاملنا مع الغير و التخفيف من ردود فعلنا ، وعدم إعطاء الموقف أكبر من حجمه .

وكُتب في جَبَنَة أيضا

بلا هوية

تأملت والدته أن يكون عوضًا عن أخيه الذي مات، طمأنها والده حين ولادته أنه روح أخيه بعثت فيه وتشكلت في عينيه وأنفه الصغيرة، في طفولته، كان لا يختلط مع أحد، وجلَّ وقته بمفرده، كانوا يطلقون النكات عليه وأنه شبيه لأمن في هدوئها ، في الفصل، كانوا لا يسمعون صوته إلا حين يُسأل سؤالًا يعجزون عنه أقرانه من الأطفال، شيدوا له  أن ذكاءه يعود لوالده لأن العرق دساس، كبر وكبر معه والده، في عزائه، بصم الأهل والأقارب، أنه لا يختلف عن والده عدى بالنظارة التي يرتديها، من حينها وفي الجمعات والمناسبات هو أبو أبيه، لم يناده أحد باسمه، في شيخوخته، وجميع أبنائه وأبنائهم الذين يحملون اسماءهم، أخبروه أنه يشبه صوره والده المعلقة بالحائط بشكل لايصدق، ولكنه، هو وحده، مصدقًا، أنه يشبه كل شيء إلا نفسه.

هل أنت جاهز للنشر ؟

نرحب في جبنة بالكتاب المبدعين.. فقط اترك ايميلك وسيتم التواصل معك قريبا بإذن الله 

لقاءات حية
تدوين
رسائل مرئية
تجارب
لقاءات حية
تدوين
رسائل مرئية
تجارب

- جميع الحقوق محفوطة لمبادرة متكأ 2021©