هذا النص.. ليس لك..

هذا النص.. ليس لك..

"س" أو "ص"

هذا النص.. لشخصٍ.. يعاتب الليل.. على طوله.. على وزنه وخشونته..
هذا النص.. لشخصٍ مثلي.. يحتضن ركبتيه.. ثم يحتضن كتفيه.. ويبكي..
يحاول..
يحاول جاهداً.. إعادة صياغة المستقبل.. بكتفين، فقط..!
كلّت كلتا يديه.. وتبرأت.. من حمل أوزان الطريق.. واسّاقطت خلفاً.. وتناثر الذي جمعتْه.. وتناثر الذي حملتْه.. فوق الأثفية..
“هذه الرسالة.. لاتميزها القلوب..
تميز القلب الذي يبكي لها”..
**
ترعبني كثيراً.. فكرة أن أموت وحيداً.. لذلك.. كنت أكتب.. أردت أن أستنسخ مني.. أضابير كثيرة.. أن نكبر معاً.. وأن تبقى.. بعد أن أموت..؛ لكن هذه الأضابير.. تحولت لاحقاً.. إلى صخرة.. وأنا..أصبحت سيزيف..! وأنَّ هذه الكلمات.. وكفُّ المهدئات.. التي تربت على جبيني.. لا تواسي..!
لايمكنها.. أن تخبر شخصاً يحتضر.. أنه على وشك أن يموت!!
**
لماذا الموت.. لايختار الذين يختارونه..؟!!
لماذا حين تتسع المسافات.. بينما نريد وبين نحن.. تتلاشى رغبة العيش.. تباعاً؟ لماذا لا يملك المرء.. القدرة.. على نسف الأمنيات.. دفعة واحدة.. والعيش في عداد الموتى..! في طوابير القبور..؟
لماذا دائماً “في فمي ماء.. وهل ينطق من في فيه ماء؟”
لماذا تنجح الفلسفة البلاغية نظرياً فقط..؟ مالجدوى من نص.. لايشفي من الموت..؟
أليس من الضروري.. أن يتغير المجرى في الحياة.. كما يتغير.. على وجه الورق؟
**
مالذي يحدث للحياة.. حتى يطفح الليل.. من حلقك..؟
هل جربت – مثلي – أن تئد الأرض حولك، في لحظة بؤس، أن تنتمي للسماء؟
أن تتكأ على كتفٍ.. مثل هذا، يجدر به.. أن يكون أريكة في الجنة..؟ أو كذلك تتمنى..حين يكون الانسحاب.. مغرياً.. أكثر من المقاومة..
**
إن ماأكتب.. يُعرف.. من كثرة الفواصل والنقط.. بين الكلمات والجمل.. هكذا تخرج.. متحشرجة.. متقطعة.. يحرجني اتصال الألم..
أقسمه على فترات.. لكنني.. أخوضه دُفَعاً كاملات..!
**
نغمة المنبة.. تقف احتراماً.. للفائض من الليلة..؛ تأتي الهوينا.. تلعق الملح.. على أطراف خدي.. وأظفاري.. وتغفو باحترام..
عاطفتي.. وحواسي.. دخلن في أزمة.. فقدن شهيتهن.. وصرن أنحف.. وأخف.. لم يعدن يملكن أدوات الانغماس تلك.. لم يعد في داخلي.. صوت.. يخبرني.. أن كل شيئ.. سيكون بخير..؛
لم يعد مهماً ألا يميل محور الأرض..؛ لم يعد مهماً.. أن يسبق السبت الأحد..، أن تتوقف الحرب..، أن تستمر الأرض بالدوران..، أن تتقدم.. عجلة الحياة.. تباً.. للعجلة االعرجاء..
لم يكن الحظ.. في صفي أصلاً.. منذ الولادة..؛ كل ماأجيده.. هو الهرب.. هو الحياد.. هو الوقوف.. في المنطقة الرمادية.. أن أجيب على السؤال.. كما يريد الآخر.. تاركاً للوقت.. أن يقرر.. ماذا سأفعل.. ماذا سآكل.. ماذا سأقول.. ماذا سألبس.. إنني نسخة الوقت الحية.. لكن هذا الوقت.. مبعثر.. كمكعبات الليقو.. في يد الطفل الصغير.. الذي لايعلم.. ماذا سيبني..!
ولذلك.. أنا لاأخاف الموت.. أنا أخاف الوقت..
**
إنني أعلم تمام العلم.. أن القلب.. عضلة.. وأن التمزق العضلي.. قد يحدث.. في أي لحظة.. أو قد يكون قد حدث.. ولازلت أمشي.. وأتحرك.. بأشلاء قلب.. أعيش بداخل بعضي.. مِزَقَاً على مِزَق.. وأن هذا الجسد.. ليس أكثر.. من فزاعة متخشبة.. تحرس الحقل.. دون أي شعور.. أو حراك.. وليحدث ما يحدث..!! ومهما حدث أصلاً.. فليست تملك قدر ذبابة.. من المقدرة على الحراك.. أو نش الغراب..!!
**
كل شيئ.. يبدو حقيقياً من الخارج.. فقط..؛ لكن داخلياً.. هناك في العمق.. تختلف المعاني.. تتغير الاحتمالات..؛ والأصدقاء.. لايرون.. من خلف الستار.. لايرون.. إلا إدعاء المثالية.. حتى حين أكتب نصاً كهذا.. سأجدهم يصفقون..؛ لكن..
لا أحد يشعر.. لا أحد يرفع السماعة.. ليسأل.. مالذي يحدث..!!
ولو أنني لو حفرت قبري بيدي.. لقال الناس إنما يزرع الأرض..!!
“‏انتظرنا
كانت الساعةُ
جرحاً في الجدارْ
خيطُ شمسٍ.. أسفل الباب
يُقطّع بالظلال العابرات
أقول لن تأتي
فيسقط رف وردٍ..
لن تجيء
فتسقط الألوان من لوحاتها
وأقول لن، أخرى
وينكسر النهار
من سؤالٍ جارح التخمين
أقترح السماء وظلها
وأرتب الأعشاب.. وفق تخيل الخطوات
أفتح ثغرةً للنهر من قطرات كأسٍ
لاتُدار”!!
**
أتمنى.. أن أتزوج.. لكن” مي” ماتت.. كيف أعقد القران.. على جثة..؟
أتمنى.. أن ألتقي” نعمة” عند باب المحكمة.. نأخذ بأكف بعضنا إلى طرف الحياة.. لكنها الآن.. تشارك رجلاً آخر.. ذات الفراش..!
ومن فشل قصة حب.. إلى فشل مشروع زواج.. يليه فشلٌ.. وحُزَماً أخرى من الفشل..
أقول غداً.. ولاتكشف الأيام عن غد.. أقول بعد.. ولا شيئ بعد.. أقول “عادي”.. كمن يهدي للشمس.. شمعة!! وتضحكني تصاريف القدر.. وتبكي المِزَق.. دمعاً ودم..؛ ويسيل.. من بين أضلاعي الصديد.. وتقول نفسي.. “لم يعد في العمر ماتخشاه..
إذا مالموت لم ينظر إلى عينيك..
أنت تراه..
كأنك قلب سوريٍّ
وكل مصيبةٍ.. أسدُ!
وضدك كل من أملت.. إلا الله.. “
وحيناً.. ‏أقول لها.. “ماذا أَقولُ.. وَقد تَساقطَ عن يَدي
كُلُّ الذي قد كانَ أمسًا في يَدي
وَتعمّقَت لُجج الحياةِ أَخوضُها
وَتحطَّمت صُوَرُ الجَمالِ بِمرقَدي “
**
” إن التعلل بالآمال يشفيني.. “.. وأحياناً لا..!!
لأن تراكم الآلام يشعرني أحياناً.. بأني لست جديراً.. بالحياة..
ويقتلني مرتين.. أن أحداً لا يدري..!! ولا يشعرْ أحد.. مع أنني حاضرٌ بترف.. في كل أفراح الآخرين.. من قال.. أن فاقد الشيئ.. لايعطيه؟
وفي كل مرة.. أنظر فيها لساعتي.. أتذكر.. أن هذا الوقت.. عدو الأمنيات..!! وفي كل مرة.. أفتش بين أشيائي.. لاأجد.. إلا الورق.. إلا القش.. وأبحث دأباً.. عن الإبرة..!!
**
قد يكون أحد أشباهك الأربعين.. نصاً.. أو كتاباً.. أو مسرحية.. أو اقتباس.. أو كوب قهوة..
أنا.. أجدني أحياناً.. مختبئاً.. في قصيدة.. وأحياناً في أغنية.. أو في نهايةٍ ما.. لقصةٍ تراجيديةً..
فـ “ريح يوسف.. لاتأتي نسائمها..
إلا لقلبٍ.. كان هواه يعقوبا..”
لكنني أحياناً.. أصل إلى قناعة.. أن هذا لم يعد ممكناً.. وأن الذين يكتبون ويغنون.. لا يعنون شيئاً مني.. ولاأعني منهم شيئ..
وأنه.. “لايسهر الليل.. إلا من به ألم..”
وأنني في كل صباح.. أرى الدم.. يخرج.. من أوداج حلقي وصدري.. ولاأخبر به أحداً.. فكيف لي أن أبكي.. على أحزان الآخرين.. إذا هم لم يبكوا على حزني..؟
واعود أتكور.. على ركبتيَّ وكتفيّ.. أكتب نصاً.. ليس أصلاً لأحد..؛ أعزي نفسي.. بأن هذا النص.. لشخصٍ مثلي.. يحتضن ركبتيه وكتفيه.. لكنني أعلم.. أن أحداً.. لن يرفع السماعة..، ليسأل.. مالذي يحدث..
وأن هذه الاعترافات الهزيلة.. ليست إلا.. لأدراج الرياح..!
وأن قدم الحياة.. ستظل تركلني.. من خاصرتي.. أتدحرج ملئ وجهي.. إلى قدم الحياة الأخرى.. لركلة ثانية..!!
ولا أحد يشعر..!!
ويؤلمني مرتين.. ألا أحد يشعر..
**
لم يكن من نصيب هذا النص.. أن يكون لأحد..
ربما لأن الإدراك الحسي.. للوجع.. يحيل الكتابة.. ضرباً من المستحيل.. إذ كيف للحرف.. أن يرسم وجعاً.. لم يذقه؟ أن يجسد مرارةً.. لم يتجرعها..؟! لم يخبرني أحد.. أن الوجع.. يثقل الحرف أيضاً..
ويؤلمني.. أن النص طال.. وأنني ضعت في هذي السطور.. في حين كان يمكنني.. أن أختصر كل ماكتبت.. في كلمتين.. أو ثلاث.. لكن شرح الموت.. يطول كثيراً.. ولا يفضي.. إلا إلى رجلٍ حزين.. يقرؤك السلام.. ويكتب.. بشكلٍ سوادوي.. وكثيرُ ألم.. حتى أن بعض الأسطر.. سقطت عن النص.. لِمُرِّ ما تحمل..!
وأنا.. دائماً هكذا.. حين أَشْرَقُ بدمي.. أبصقه هنا.. جملة جملة.. كما يبصق المصابون بالدرن.. كُتل الدماء..!!
**
هناك حقيقة.. بنفس عمر.. وحقيقة السماء..
أن الحزن.. لايوصف..
ولا يُكتب..
هو يؤلم فقط..
وأما الحزن.. الذي لايتجاوز مرحلة الكتابة.. فليس حزنا..
الحزن.. الذي لا يجعلنا نجري.. فنسبق أعمارنا.. ليس حزناً…
الذي لا يفجر القلب.. ليس حزناً..
والذي لا يجعل اليد الواحدة.. تصفق.. ليس حزناً..
والذي لا يجعلك تفقد الإيمان.. ليس حزناً..
**
يقول “سارتر” .. ” أن هناك أشياء.. لامفر من مواجهتها..
كحقيقة أنك ولدت.. ويجب أن تعمل مع آخرين..، وأن تقضي جزءاً من حياتك في السبات.. وأن تموت في النهاية”.. ثم يتابع القول “الإنسان.. مسؤولٌ حتى عن رغبته في التملص من المسؤولية نفسها”..
سارتر يقول هذا الكلام..؛ وأنا.. في كل صباح.. أتذكر هذا القول..؛
في كل صباح..
أقول الآن.. سيبدأ كل شيئ من جديد.. ونورٌ سيبزغ.. في آخر النفق.. لكن الحياة.. تتفل على فتيل المصباح.. وتطبق بالشمع عينيّ.. أسير على غير الهدى.. إلى وسط المجهول والظلام.. وتغيبُ.. عن النفسِ.. أحلامُها.. من جديد..!!
في الصباح.. أقول اليوم.. – مثل كل يوم – سأكون درعاً من صبر.. لأجل الآخرين..
ماكنت يوماً قوياً لأجلي والله.. ولو لم يكن هناك من يتكأ على عاتقي.. لاخترت الانسحاب.. لا بأس أن أموت..
لكنني حين يزيد الحمل.. ولا أقدر.. أدير ظهري للآخرين.. أقف بصمت.. بين الهاوية.. وبين الأصدقاء والعائلة.. واعتزل الضوء.. تلك هي طريقتي للاعتذار.. العزلة..؛ لأن الحياة.. دائماً.. مخادعة.. على مستويات مختلفة.. وقد تُظهر لهم.. أنك الأقوى.. وأنك الجدار.. الذي يحق لهم الاتكاء عليه.. ويعلقون عليه لوحاتهم.. وعليه يزرعون شتائل النبتات.. في حين أنك داخلياً.. لست إلا قطعةً من كرتون.. أو فِلِّينه.. تلعب دور الحائط.. وتمثل.. أنها أكثر الأشياء.. ثباتاً في هذا الكون..!! وفي كل صباحٍ أقول..
يارب.. علمني.. كيف تُشفى القلوب.. ياالله..
ثم على غير عجل.. ألتحف الغطاء.. وأكتب.. أبكي.. وأعود أكتب..
وفي النهاية.. أعتذر لك..
أن هذه النهاية.. ليست جميلة..
وأن هذا النص.. منذ البداية.. ليس لك..؛
هذا النص.. لشخصٍ وحيد.. مثل كوكب..
ينتمي إلى مجرة.. ولا تجمعهُ.. مع الكواكب الأخرى.. ولو ذرة..!
هذا النص.. لشخص يدرك.. أنه لاشيئ.. يغير السلوك.. كالألم..؛
شخصاً يؤمن..
أن الدمعة..
تستحقُ نهايةً..
أعظمَ من السقوط..!!
**
وإن حصل.. و أعجبك النص.. فلا تُقرِئني السلام..،
إن كُنت تحبني.. تمنَّ لي.. موتاً.. عاجلاً.. جِدّا..
وعفا الله.. عن أُخرى تحاياك..
**
وإن مت.. أوصي أصدقائي.. وعائلتي.. ألا يبكوا علي..
وأن يعجلوا بدفني..
وأن يتولى غسلي.. أصدقائي المخلصين.. سلمان، وفهد، وعبدالسلام، وبندر..
وأن أُدفن.. في المقبرة التي دفن فيها أبي..
وأن يكتب.. على شاهد القبر..
” مات من فرط الصبر.. ليس من فرط الألم..”

مشاركة

5 2 أصوات
تقييمات المقال
اشتراك
نبّهني عن
guest
1 تعليق
الأقدم
الأحدث الأكثر تصويتا
تقييمات مضمنة
عرض كل التعليقات
الليل الذي طفح من حلقك

لا أكتب لكَ .. ولا اُقرؤك السلام

أنا أكتب إلى سلمان وفهد وعبدالسلام وبندر
وهيثم .. و س و ص.. و إلى أضداد أخياف :
” في قلوبكم الله .. في قلوبكم الصداقة .. لا تدعوه يموت وحيدا .. لا تدعوه يموت “

وكُتب في جَبَنَة أيضا

بلا هوية

تأملت والدته أن يكون عوضًا عن أخيه الذي مات، طمأنها والده حين ولادته أنه روح أخيه بعثت فيه وتشكلت في عينيه وأنفه الصغيرة، في طفولته، كان لا يختلط مع أحد، وجلَّ وقته بمفرده، كانوا يطلقون النكات عليه وأنه شبيه لأمن في هدوئها ، في الفصل، كانوا لا يسمعون صوته إلا حين يُسأل سؤالًا يعجزون عنه أقرانه من الأطفال، شيدوا له  أن ذكاءه يعود لوالده لأن العرق دساس، كبر وكبر معه والده، في عزائه، بصم الأهل والأقارب، أنه لا يختلف عن والده عدى بالنظارة التي يرتديها، من حينها وفي الجمعات والمناسبات هو أبو أبيه، لم يناده أحد باسمه، في شيخوخته، وجميع أبنائه وأبنائهم الذين يحملون اسماءهم، أخبروه أنه يشبه صوره والده المعلقة بالحائط بشكل لايصدق، ولكنه، هو وحده، مصدقًا، أنه يشبه كل شيء إلا نفسه.

هل أنت جاهز للنشر ؟

نرحب في جبنة بالكتاب المبدعين.. فقط اترك ايميلك وسيتم التواصل معك قريبا بإذن الله 

لقاءات حية
تدوين
رسائل مرئية
تجارب
لقاءات حية
تدوين
رسائل مرئية
تجارب

- جميع الحقوق محفوطة لمبادرة متكأ 2021©