يجتهد الإنسان منذ اللحظة الأولى التي عرف فيها نفسه للترقي في سلم الكمال الإنساني، باحثاً عن القيمة والمعنى اللذان يجعلان منه بشرًا سوياً مبنىً ومعنى. وفي إطار هذه الرحلة وعلى امتداد الأزمان لا يزال الإنسان يقف على عتبةٍ جديدةٍ من الإنجاز، جاعلاً كل قمةٍ يصل إليها قاعدة جديدةً للإنطلاق إلى إنجاز مجهولٍ جديد.
والمتأمل لحياة البشرية يجد أن الأشخاص الذين أحدثوا فارقاً كانوا قليلين جدًا في امتداد البشر منذ الخلق إلى يومنا هذا، وهذه سنة الحياة أن المجددين قلة والأكثر تبع، وبما أن الرواد قلة فإن المتطلع للريادة يجب عليه تتبع مواطن التمكين للريادة وأسباب الوصول للقيادة وممكنات التأثير والتغيير وتبني الفكر المستنير المحقق للغايات والكمالات. وكما يقال بأن الناس في طرائق تفكيرهم على ثلاثة ضروب وهي التفكير بالأشياء والأشخاص والأفكار، وهم متدرجون بحسب وعيهم ودرجة تفكيرهم. فالأشخاص في كل مرحلة عمرية يغلب عليهم نمط من التفكير فيغلب على الصبي التفكير بالأشياء وعلاقاتها ببعضها ويحرص على اقتناء الألعاب والأشياء دون التفكير بنفعها والعائد منها، ويستمر هذا الحس حتى سن المراهقة ويبدأ طور من التفكير يتشكل ونوع من الاهتمام يظهر وهوالتفكير بالأشخاص والعلاقات ثم يكتمل النضج ليتزن في العلاقات ويتحول إلى طور أعلى وهو التفكير بالذات واكتشافها ومعرفة الطريقة المثلى للتعامل مع ذاته حتى يتصالح ويتجانس مع ذاته فتصبح دوافعه متسقة مع طموحه، ومحركه الذاتي متسق مع الغايات النبيلة، ولا يزال الإنسان يتطور حتى يصل إلى المحاكمات العقلية للأفكار التي ينعكس أثرها على الواقع فيسعى دائما للتحسين من الأفكار الجوهرية والمحورية ذات الأثر البالغ في حياة الناس.غير أن الإنسان قد يتأخر في مرحلة من المراحل أو قد تطل عليه مرحلة في شردة من الخاطر أو في غفوة من الفكر ليتقمص زماناً غير زمانه وسبيلًا قد عفا فيها العشب واخضر، فتجده مثلا يستهلك المعرفة دون عائد فهو في قراءته يحصي الصفحات ولا يكاد يلتفت لفكرة رئيسية ناهيك عن مسألة فرعية. وتجده في محركه ودافعه الرئيسي يسعى لإثبات ذاته فقط أو يسعى لأن يكون مواكباً للموضة الثقافية ولا ينطلق من احتياجه وما يعظم أثر عمله. وأسوأ منه أن يجمع الكتب ليشكل مكتبة يتباها بمنظرها أو يتعلم مهارة ليستخدمها في استعراض ما يتقن دون أن يستثمرها، وبعضهم يتركز اهتمامه بشكله ومظهره حتى تراه كقطعة فنية وتحفة سبكت بعناية بالغة وحين تنظر ماوراء عقله تجده فراغا أو بالكاد يكون رمادًا مستهلكاً من أشياء لا يعاد تدويرها وغير قابلة للاستخدام. إن الإنسان بما أتاه الله من عقل ممكن لأن يصل لأقصى درجات السمو ومهيأ لأن يصنع أثرًا عظيمًا في هذه الأرض كيف لا وقد خلق في أحسن تقويم وكرم على سائر الخلق وكلف بأعظم واجب وهو عبادة الله واستخلف في هذه الأرض دون غيره، إن هذا كله دالٌ على قابلية جعلها الله فينا لأن نكون كما يريد لنا ربنا. خلقنا الله وجعل فينا ميزة التفكر والتأمل والاعتبار، واستحثنا على التفكر في أياته الكونية وسننه في من مضى قبلنا، كل ذلك يثبت لدينا أهمية استخدام العقل لأقصى حدوده الممكنة من التأمل والتفكر ثم التبصر والإعتبار، وهذا واضح وجلي حين نقرأ كلام الله وهو يمتدح أولو الألباب. إننا وإن أمرنا بالاقتداء إلا أننا كلفنا بالتفكر وكأن هذا الفعل العظيم حين يمارس باستمرار يصبح شيء من الاتصال بالعلو، وكأن هذا الفعل بقية من تركة الأنبياء، فقد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم العلماء ورثة الأنبياء. فبما ورثوا؟! أليس لعلمهم الذي استخدموا فيه عقولهم واشتغلوا فيه بالتحصيل بالتعلم والتفكر، إن انقطاع الرسالات بعد تمامها يحتم علينا مداومة التفكر والتأمل والإعتبار لنواصل الطريق محملين برسالة تصلح لكل الأزمان وعلى مر العصور وإن ذلك لن يكون لرسالة يتخاذل حاملوها في إحيائها بجعلها مواكبة لعصرهم وسابقة لعصور قادمة، إن أهمية العيش في عالم الأفكار تكمن في كون الأفكار سابقة للأفعال وهي المحرك الحقيقي لكل تغيير يطرأ، لذلك وجب علينا مراجعة أفكارنا وقبلها دوافعنا حتى تستقيم القناعات وتصحح المفاهيم فيتم الفعل بوعي ومسؤلية. حين نسمح لعقولنا بالاسترخاء حينها ينشط حس الطفولة فينا فنخضع للرغبات المادية، أو قد تفور فينا عواطف المراهق الخاملة لتعصف بنا دوائر تأثير الأشخاص والعلاقات. المعيار الحقيقي للحالة المثالية هو ذلك التأهب والتيقظ لشوارد الفكر ومعالجتها والتعامل معها بالشكل الأمثل لتكون أفعالنا ناضجة غير مشوهة نتيجة تعطل أهم أداة خلقت لنا وميزنا فيها عن غيرنا”العقل”.
لماذا على البالغين قراءة أدب اليافعين؟
البعض قد يرى عنوان المقالة غايةً في السذاجة، ولكن بالفعل قراءة أدب اليافعين او الأطفال مفيد جدًا لفكر البالغين!.. في بعض الأحيان يحتاج المرء إلى
رائع ياجابر.. أبدعت .. مقال عميق..
رائع يا جابر كعادتك .. لي عودة بإذن الله..