إن من نعم الله على عباده أن جعل لهم مواسم تتآلف فيها القلوب المتنافرة وتتصافى فيها النفوس المتكدّرة وتزداد ارتباطا علاقة المسلم بأخيه المسلم ، وإن العيد هو ذلك الفرح الذي يملأ القلوب بهجة ويزيدها سرورا وحبورا وزلفى من الله وقربة ، إن العيد ليس ابتسامات ولا تهاني متبادلة فحسب ، بل هو فرح الروح قبل الجسد وسمو النفس على كل ألم .
لقد شرع الله للمسلمين عيد الفطر وعيد الأضحى موسمان من مواسم الفرح رغم تنوّع أحوال الناس بين سرور وحزن وبلاء وعافية ، إذ ليسوا على حالةٍ واحدة ولكن حتى تتسامى النفوس على أوجاعها وتغالب الحياة بكل أنفةٍ وإصرار ، وما ذلك إلا للمسلمين ، وهي رحمة من الله لهم أدركها من أدركها وجهلها من جهلها .
إن كل إنسان في هذه الحياة مستغرق في همومه منهمك في متاعبه يكابدها ويصارعها ويخوض غمارها لوحده ويبحر في لججها بمفرده ، لا يبوح بسرّه ولا يظهر ألمه ، فينوء بحمله لوحده ، فيأتي العيد لتقترب النفوس من بعضها البعض فتُربِت يد على كتف مكلوم ، وتمسح أخرى دمعة متحجرة في المآقي ، وتجلّي ابتسامة صادقة غمّا متراكما على ظهر صاحبه ، وتنقشع مع تقارب الأرواح وتصافح الأكفّ سحب سوداء خيّمت فأحزنت ، فتصفوا بعد كدر وتسلوا بعد حزَن …
وهل العيد إلا الصفاء والنقاء والسرور والحبور ، وهل العيد إلا الفرح وشكر المولى على ما منّ به وأنعم ، وهل العيد إلا صلة رحم وبسمة طفل ولقيا حبيب ، وتهنئة صادقة يبوح بها القلب لمن يحب فيهنئه بكل عام وأنتم بخير ، فكل عام وأنتم بخير …