الحقيقة هي ؛ أن التغيير لم ينالهم وحدهم ..
لا الشجرة التي طارت و لا الصديق الخائن ولا السقف الذي يُغني
ولا العهود التي اصبحت مظاهر ولا الدواء الذي صار مُضر ولا الأغبياء
الذين اصبحوا واثقين ..
أنا أيضا تغيرت – اصبحت متكلفة – وأنشأت غرفة لأغراض مشاريعي المُرتدة
و ازدادت مهارتي في الاستهتار – وتعرفت على الكثير من المتمردين – واشتريت
حذاء بربطات – واغلقت الباب والحقت النافذة به – وتكاثرت افكاري العدوانية
- واستمعت لفيروز …
إنني اتكلم عن نفسي بجديّة تامة غير مكترثة لأحد .. فهل تُلاحظون ذلك ؟
لا اكترث لـ الناس لسببين ..
الأول : حتى لا أجعل لآرائهم مكانا في تحديد شخصيتي
والثاني : حتى اكتشف ذاتي بنفسي
لقد صدقوا عندما قالوا :
تحدث في النفوس أشياء كثيرة لا تُصدق !
كهذا التغيير وكتلك الذكريات التي توشك على قتلنا تحت ضوء الحنين
تمضي بنا من هذيان إلى هذيان .. لا يمكننا تجاوزها أو استغفالها
لأن الحياة الخالية من الذكريات ما هي إلا امتدادا للحرمان ..
-كنت قد انقطعت عن التذكّر منذُ أمد ليس ببعيد .. فلقد ظهرت
نشاطات مهمه في حياتي وأعمال ومواعيد كثيرة تختص ببيئتي وعائلتي
تراجعت بسببها العناية بالذات إلى مرتبة ثانوية ..
لقد أصبت بأرق المسؤولية أولها اتجاه تخصصي منذُ عدة سنوات
وثانيها محاولة الصمود أمام العائلة وعاشرها محاولتي لتقديم ما بوسعي
لأرى ابتسامة أحدهم ..
جميعها كانت أسبابا خدومة إلى حد مساعدتي في نسيان أو تناسي
أمور كثيرة , أحدثها تفاصيل أخر لحظات والدي :
كـ أخر صباح تشاركناه معا
و أخر مره بدلنا ملابسه بملابس بيضاء تشبه تاريخه
و أخر مره سندناه على تلك المسانِد الخضراء
و أخر مره دارت به عجلات كُرسيه المتحرك بمنزله
و أخر مره ناديته يا ( أبي ) و أخر ……
او أخر ليالي النعيم و البهجة بقربه
أخر أيام الهناء .. أخر عهد لنا بالاطمئنان
أو أخر عهد لنا بالحياة التي كانت تستحق أن نحيا بها ..
- حسنا جدا هذا يكفي ؛ فلا مبرر لذكر مثل هذه الأمور إلا بسبب اللهفة إلى التفريغ .