ببساطة ” الحياة شبيهة بفلم.. كل شيء فيه مستمر باستثناء الشخصيات “
إنني أحاول التعبير عن فكرة غامضة إلى حد كبير.. مفادها أن الحياة تافهة وحزينة.. وبالرغم من أنني لم أكتب ولم أتطرق للحديث عنها في ضالة كتاباتي السابقة .. إلا أنه قد يكون لكلامي المتعرج الآن لفتة عظيمة !
فحتى في الفترات التي تتدفق فيها الحياة بسعادة.. لا تلبث اللحظات الحزينة أن تنبثق منها عاجلا أو أجلا من ظهر تلك السعادة المسكينة
– كما لو أنها تتنقل معنا من لحظة إلى أخرى ومن حلم إلى أخر ومن يوم إلى يوم – كل هذه الانتقالات الضيقة التي تُحدثها حتى تُشكل حضور واسع في لحظة ما تختارها بعناية فهي ترسم من تلك التنقلات الخفية هيئة قاسية ومفاجأة لحضورها النهائي..
إنني أحاول لفت انتباهكم ببعض جمل تأكد لكم بأنهُ (حتى اللحظات السعيدة التي نحصل عليها في حصص الحياة هذه لا تهم البتة.. لأنها لا تعمل إلا على كبح حِسّنا التصوري ازاء حقيقتها).
لقد أدركت في جزء من الثانية وأنا أكتب لكم كلماتي البائسة هذه فكرة لعزاء مطمئن .. وهو أن أجمل ما في الحياة هي الأحلام و اللقاءات اللامتوقعه بين أشياء يمتنع التقاؤها في الحياة المألوفة .. فاذا كان أجمل مافي الحياة هي الأحلام .. فما هو أجمل مافي الموت ؟!
إنه التمدد وكما أعرفه أنا بأنه أفضل وضعية من بين وضعيات الجسد التي تمنحنا زاوية جيدة لرؤية العالم وهو يدور بأعجوبة ! إذ حتى الطفل يستطيع أن يتلخص الحقيقة وهو متمدد ..
لقد احترفت فن التمدد ومهارتي به في تطور مستمر.. فهو أكثر شيء فعلته في حياتي .. فلعلني أفوز بجائزة أكثر من تمددت وهي حية ..
الشيء المؤسف ليس وصولنا إلى الموت بعد الحياة بل هو الموت أثناء مزاولة هذه الحياة .. الموت في أوج مراحلها.. تعيش فيها مجرد أنك عايش لا أكثر .. فالبعض يكون ميتا في كل الأحوال. .
فهناك الحزن الذي شرع يذوبنا ويحولنا إلى جماد
وهناك الخيبة التي ارتفعت و ارتفعت حتى بلغت أعيننا
وهناك الجسد الذي ينام في التراب
والجسد الذي نتقفى أثره عبر البعد اللانهائي
و الشِعر الذي يتشرد في الشارع
والكلمات التي تختبئ في أخر أضلعنا
وهناك الأقنعة المخادعة التي تجعل من الهيّن عظيما
كل هذا واكثر يجعلنا نعيش والموت في إحدى أعيننا والحياة في أخرى .. لا يقلقني ذلك ..
لا يقلقني ” أن أعيش والحياة في إحدى عينيّ و الموت في الأخرى ” إلا كما يقلقني نباح كلب في الجانب الآخر من الشارع ثم ما يلبث أن ينخفض شيئا فشيئا معلناً وصوله إلى الطرف الثاني من القرية لمواصلة إزعاج السهارى .. ولا يقلقني لون الشمس الأصفر الذي يتضاءل من صباحاتي .. ولا يقلقني منظر الدعوات المتراكمة في صندوق مهملاتي .. ولا تقلقني الكلمات الجارحة التي تدخل رأسي عبر منفذ أذني .. ولا تقلقني حقيقة أنني اطلب الأشياء فتأتيني أخرى ..
ما يقلقني حقا هو خوفي الدائم من أن أخيّب ظن أُناس يرونني مفخرة بالنسبة إليهم ..قد تعرفون هذا الشعور وقد تتبادلون أحاديث مكررة عنه مع ذواتكم …